حكم محمد الفاتح الدولة العثمانية ثلاثين سنة، خاض خلالها الجيش العثماني مائة وسبعين معركة حربية، حقَّق فيها انتصارات مجيدة، كما تعرَّض لعدَّة هزائم.
الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
بعد عمرة القضاء، ووضوح حالة الهدوء النسبي بين المسلمين وقريش، يبدو أنَّ هذا قاد إلى توتُّر القبائل العربيَّة المحيطة بمكة، وهذا ما قاد إلى عدة سرايا.
سرايا عسكرية في اتجاه مكة:
بعد عمرة القضاء، ووضوح حالة الهدوء النسبي بين المسلمين وقريش، يبدو أنَّ هذا قاد إلى توتُّر القبائل العربيَّة المحيطة بمكة، وأدركت أنَّ رسول الله ﷺ قد يتفرَّغ لها بعد أن أَمِن جانب قريش؛ لذلك نرى عدَّة تصعيداتٍ من قبائل بني سليم، وبني ليث، وهوازن، وهذا ما قاد إلى ثلاث سرايا في الشهور الأربعة التي تلت عمرة القضاء، وكانت على النحو التالي:
في ذي الحجة من العام السابع الهجري كانت سريَّة ابن أبي العوجاء السلمي رضي الله عنه في خمسين رجلًا إلى بني سليم، وقد تعرَّضت لهزيمةٍ كبيرة، وقُتِل معظم المسلمين، ونجا ابن أبي العوجاء جريحًا.
وفي صفر من العام الثامن الهجري كانت سريَّة غالب بن عبد الله الليثي رضي الله عنه إلى بني الملوِّح من ليث، وكانت مساكنهم بالكديد شمال مكة، وقد حقَّقت السريَّة نصرًا كبيرًا، وغنمت.
وفي ربيع الأوَّل من العام نفسه كانت سريَّة شجاع بن وهب الأسدي رضي الله عنه إلى بني عامر من هوازن، شمال شرق مكة، وكانت سريَّةً ناجحة حقَّقت غنائم وفيرة.
سكنت الأمور نسبيًّا في هذه المناطق المتاخمة لمكة بعد السريَّتين الأخيرتين، ولعلَّ هذا كان تمهيدًا ربانيًّا لفتح المدينة المقدَّسة في أواخر هذا العام!
إسلام عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة، رضي الله عنهم:
في صفر من العام الهجري الثامن شاء اللهُ أن يرزق المسلمين بعضًا من عظماء الرجال في آنٍ واحد، وهو ما أَعْتبِرُه أحد التمهيدات لفتح مكة! لقد أسلم في يومٍ واحد، ودون اتِّفاق، عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة، رضي الله عنهم!
أمَّا عمرو بن العاص رضي الله عنه فكان إسلامه عجيبًا! فقد فرَّ من مكة إلى الحبشة بعد رؤيته علوَّ الإسلام بعد الأحزاب والحديبية، وكان يتوقَّع أن يفتح المسلمون مكة، فأراد أن يجد ملاذًا عند صديقه النجاشي ملك الحبشة! بعد حواراتٍ عجيبةٍ مع النجاشي، الذي كان مسلمًا يُخْفِي إسلامه، آمن عمرو بن العاص رضي الله عنه على يد النجاشي، وقرَّر العودة إلى المدينة، لا إلى مكة، مهاجرًا مسلمًا!
وأمَّا خالد بن الوليد رضي الله عنه فقد تبيَّن له بعد تفكير أنَّ محمدًا رسولٌ من عند الله، وأنَّ القرآن حقٌّ، فقرَّر، هو وصديقه عثمان بن طلحة رضي الله عنه، الذهاب إلى المدينة مهاجرَيْن، فقابلا دون ترتيبٍ عمرو بنَ العاص وهو في الطريق إلى رسول الله ﷺ، فدخل ثلاثتهم على رسول الله ﷺ يُعلنون إسلامهم!
لم يكن إسلام هؤلاء إضافةً فقط إلى الدولة المسلمة؛ بل كان خسارةً كبيرةً لمعسكر الكفر، وسيكون لهم أدوارٌ فاعلةٌ في إنهاء الوجود المشرك في الجزيرة العربيَّة؛ بل في أجزاء كبيرة من العالم!
حملات عسكريَّة في شمال الجزيرة العربيَّة:
شهد العام الثامن الهجري نشاطًا من القبائل العربيَّة ضدَّ المسلمين؛ سواءٌ عن طريق اعتراض قوافلهم أم التجهيز لحرب المدينة. قد يكون هذا النشاط تابعًا للرسائل الدعويَّة التي أرسلها رسول الله ﷺ إلى هرقل قيصر الروم، وإلى الحارث بن أبي شمر الغسَّاني؛ فهؤلاء كانوا على علاقةٍ وثيقةٍ بقبائل العرب في شمال الجزيرة، وكان الكثير من هذه القبائل يدين بالنصرانيَّة؛ ولعلَّهم رأوا في هذه الرسائل جرأةً عليهم، واحتمالًا لغزو بلادهم، فهيَّجوا القبائل العربيَّة على المسلمين. كان من جرَّاء ذلك عدَّة سرايا على النحو التالي:
في صفر من العام الهجري الثامن أرسل رسول الله ﷺ سريَّة بقيادة غالب بن عبد الله الليثي رضي الله عنه إلى بني مُرَّة بفدك، وكانوا قد أصابوا سريَّةً للمسلمين بقيادة بشير بن سعد رضي الله عنه في شعبان من العام الهجري السابع كما مرَّ بنا، فكانت هذه السريَّة ردًّا على ذلك، وقد حقَّقت النصر، وأسرت وغنمت.
وفي ربيع الأوَّل من العام نفسه كانت سريَّة كعب بن عمير الغفاري رضي الله عنه إلى ذات أطلاح، وهي ناحية الشام شمال وادي القرى، وقد تعرَّضت هذه السريَّة لهزيمةٍ كبيرة، فقُتِلوا جميعًا إلَّا جريحًا واحدًا هرب إلى المدينة، وقد شقَّ ذلك على رسول الله ﷺ جدًّا.
ثم كانت سريَّة زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى مَدْيَن في العام الثامن -أيضًا- ولكن دون معرفة الشهر، وإن كان من المؤكَّد أنَّه قبل جمادى الأولى، وهو الشهر الذي استُشهد فيه زيدٌ رضي الله عنه. حقَّقت السريَّة نصرًا مهمًّا، وحصلت على سبيٍ كثيرٍ من أهل «ميناء» كما تقول الروايات، ولعلَّ المقصد هو ميناء معيَّن لم يُذكر اسمه على ساحل البحر الأحمر.
ثم تلا ذلك سريَّتان مهمَّتان، وهما سريَّة مؤتة في جمادى الأولى، وسريَّة ذات السلاسل في جمادى الآخرة[1].
[1] انظر: د. راغب السرجاني: من هو محمد، دار التقوى للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1442= 2021م، ص390- 393.
التعليقات
إرسال تعليقك